الذهب الأحمر".. مال غزة الكاسد

غزة - آمنة غنام


يقف المزارع صالح غبن صباح كل يوم وجلاً أمام مزرعة التوت الأرضي خاصته خشية كساد محصول هذا العام، فهو لم يلتزم بالمساحة الزراعية التي حددتها وزارة الزراعة الفلسطينية للمزارعين لوقف نزيف الخسائر التصديرية التي فرضتها إغلاق المعابر، لكن المزارع غبن وأمثاله يقولون إن هذه السياسة لن تجني لهم ربع تكاليف الإنتاج.

ويقول الرجل: " داخل أسواق القطاع نبيع كيلو التوت الأرضي بثلاثة شواقل وهذا الثمن يساوي جزءاً من عشرة أضعاف سعره عند تصديره للخارج"، مشيراً إلى أن تكاليف الزراعة والحصاد تصل إلى ما يقارب 8600 دينار، بينما العائد بالكاد يصل في ظل الحصار إلى 2500 دينار فقط، فيما خسر العديد من المزارعين ما يتجاوز 9 آلاف دينار.

وتعتبر أراضي بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة أكثر الأراضي الزراعية خصوبة وملائمة من الناحية العضوية وتركيب التربة لزراعة التوت الأرضي.

وبتهكم زاد غبن قائلاً:" كنا نطلق على التوت الأرضي (الذهب الأحمر) إلا أنه الآن لم يبقَ أحمر ولا غيره من الألوان، خسائرنا كثيرة جداً، ولا بديل لنا لكي نعوض هذه الخسارة الفادحة".

ونوه إلى أن شركات محلية حاولت التعاقد مع المزارعين لتوريد التوت الأرضي لاستخدامه في العصائر إلا أنه تبيَّن – فيما بعد- أن هذا التعاقد يسبب خسارة مشتركة لكلا الطرفين.

وتمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ ثلاث سنوات توريد أو تصدير البضائع التي من شأنها تحريك عجلة الاقتصادية في غزة. وأعلن القطاع الذي يسكنه ما يزيد عن مليون ونصف إنسان كياناً معادياً بعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عليه في 14 حزيران/يونيو 2007 .

ضائقة واسعة
ويبدو المزارع رائد قعدان أكثر استياءً من سابقه فهو يرى أن شُح الموارد اللازمة للإنتاج تخفض من جودته ما يعني أن فرص تصديره – إن فتحت المعابر – لن تكن كبيرة، ملفتاً الانتباه إلى أن العائد من التسويق المحلي ضعيف ولا يغطي احتياجات المزارع.

وأوضح قعدان أنه وأمثاله من المزارعين يضطرون إلى تصريف ثمار الفراولة في السوق المحلي بثمن التكلفة، تفادياً لخسارة تلف المحصول، واصفاً هذا الفعل كمن يلقي بأمواله في النار.

وانتقد المزارع تصريحات الجهات المسئولة في قطاع غزة التي "تتجاهل أزمة التوت الأرضي، وما يعانيه المزارعون جراء ذلك.. إن لقمة العيش هي همنا الأول وغيرنا لا يشعر بأي مسؤولية تجاه معاناتنا"، يقول الرجل.

وانهيار قطاع الزراعة التصديرية اضطر مزارعي الطماطم الكرزية والفلفل الرومي والزهور في غزة إلى تقديم هذه المنتجات طعاما للماشية والدواب بدل إيصالها إلى الأسواق الأوروبية التي زرعت لها هذه الأصناف من الخضراوات خصيصا.

خسائر لا تعوض
الحاج نشأت مسلم، في العقد السابع من عمره يمتهن الزراعة منذ عشرات السنين ونقلها إلى أبناءه كمصدر دخل وفير ووحيد للعائلة التي توارثت خبرة زراعة التوت الأرضي أو الفراولة كما يسميها أهل غزة.

متأملاً حوله من الأراضي قال مسلم متحسراً على خسارته المالية الكبيرة نتيجة إغلاق المعابر
ذهب الحاج نشأت إلى القول:" كنا نبيع الحصاد الأول من التوت الأرضي للدول الأوروبية بأسعار مربحة، تضمن لنا الربح باقي الموسم، حيث كان ثمن الكيلو الفراولة يصل إلى 30 شيقل، أما الآن فيباع للسوق المحلي بثلاث شواقل فقط"، مؤكداً أن خسائر الثلاث أعوام الماضية لا يمكن أن تعوض بشتى الطرق.

وبلغت خسائر مزارعي التوت الأرضي العام الماضي حوالي عشرة ملايين دولار، وحسب بيانات اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، فإن معدل الخسائر اليومي للمزارعين يبلغ 150 ألف دولار، ما يعني أن مجمل الخسائر الناتجة عن عدم القدرة على التصدير خلال الأشهر الماضية بلغ 28 مليون دولار.

من المسئول ؟
ويطرح المسن سؤالاً عن الجهة التي تتحمل مسئولة أزمتهم المعيشية، هل هو المزارع أم الاحتلال أم المسئولين في الحكومة؟ في هذا الشأن يؤكد الوكيل المساعد في وزارة الزراعة، م.حسن أبو عيطة، أن وزارته أبلغت المزارعين عبر الجمعيات والمؤسسات الزراعية عدم مسئوليتها عن المحاصيل التصديرية، بسبب تعذر تصديرها لعدم امتلاكها سلطة على المعابر.

وقال لصحيفة "فلسطين": " نعمل الآن بسياسة التقليل من مساحات التصديرية، لأسباب عده منها أن هذه المساحات تحتاج إلى ما يقارب 1000 م3 من المياه العذبة في العام، وهذه نسبة كبيرة يحتاج إليها السكان لأغراض حياتية".

وقلصت الزراعة مساحة الأراضي المزروعة بالتوت الأرضي هذا العام إلى 1250 دونم فقط، بعد أن كانت تشغل 2000 دونم.

وذكر أبو عيطة عن أن وزارة الزراعة تلقت وعوداً لتصدير كل من التوت الأرضي وورد " القرنفل " كمحصول تصديري، ولكن حتى الآن لم يطرأ أي جديد، مؤكداً أن الوزارة لن تعوض خسائر المزارعين الذين تجاوزوا المساحة المسموح بها.

وقال إن بإمكان المزارعين تعويض خسارتهم بالبيع المحلي أو التعاقد مع مؤسسات وشركات تصنيع العصائر والمربى، ملفتاً إلى أن الهولنديين مولوا– في وقت سابق- مشروع للتوت الأرضي على مساحة ما يقارب 500 دونم بتمويل، وذلك في ظل وجود فرضية حول إمكانية تصدير محصول التوت الأرضي لذلك العام، إلا أن هذا المشروع ووجه بإغلاق المعابر من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

وفي السياق أكدت لجنة تنسيق إدخال البضائع لقطاع غزة أن سلطات الاحتلال لم تبلغ الجانب الفلسطيني بإمكانية استئناف العمل بالمحاصيل التصديرية.
وأكد مسئول اللجنة رائد فتوح أن كل ما يصدر عن إسرائيل " مجرد وعود لا أكثر".


المصدر: فلسطين