في غزة..الأسواق الأسبوعية ملاذ الفقراء

غزة-أدهم الشريف


لم يبق أمام الشاب "حاتم" سبيل لتوفير الدخل المادي لإعالة أسرته الفقيرة سوى أن يتجه لبيع الأحذية في الأسواق الأسبوعية في قطاع غزة.

ففي سوق "الرابش" الذي يقام صباح كل يوم جمعة في حي الشيخ رضوان افترش "حاتم" (22 عامًا) بسطته على الأرض ووقف بجانبها في انتظار قدوم الزبائن لتحصيل المال الزهيد ليعيل أسرة مكونة من 10 أفراد.

ولجأ "حاتم" وشقيقه "حسن" (25 عاماً) إلى مهنة البيع في الأسواق الأسبوعية المتنقلة بين محافظات قطاع غزة بعد أن أغلق والده مصنع الخياطة الذي يمتلكه وكان يعيل الأسرة من خلاله نتيجة الحصار المفروض على غزة.

ويفرض الاحتلال الإسرائيلي حصاراً محكماً على منافذ قطاع غزة منذ ما يزيد على 3 سنوات، الأمر الذي عَصَفَ بحياة المواطنين وحولها إلى كابوس نتيجة الفقر الذي حل بهم في ظل نقص فُرص العمل.

ويقول "حاتم" في حديث لـ"صحيفة فلسطين" بنبرة عَكست صعوبة الحياة:" لجأت وشقيقي إلى هذه المهنة منذ سنوات عِدة بعد أن أُغلق مصنع الخياطة وأصبح حال والدي يرثى له نتيجة إصابته بالرأس بنزيف داخلي".

مهن شاقة
ويضيف ذلك الشاب ذو الجسم النحيف والوجه القمحي:" كنت أتمنى أن أُسجل في الجامعة وأدرس كباقي الشُبان لكن ظروفي المادية لم تسمح لي، فبعد أن أصيب والدي أصبحت أنا وشقيقي نعيل الأسرة".

تأتي الرياح بما لا تشتهي السُفن (..) مثلٌ فرض نفسه على حياة الشاب "حاتم" الذي أنهى دراسة الثانوية عام 2005 بمعدل60% فرع أدبي، حيث كان يأمل أن يدرس في قسم العلاقات العامة والإعلام في إحدى جامعات غزة.

ويشير "حاتم" وقد بدا الحزن واضحًا على قسمات وجهه إلى أنه بعد أن أنهى دراسة الثانوية أراد أن يعمل لمدة عام في سبيل ادخار بعض المال للدارسة، فلجأ إلى العمل مع والده في مصنع الخياطة، لكنه لم يتمكن من العودة للدراسة بعد إغلاق الوالد للمصنع.

ويزيد وهو يشير بيده إلى أن بسطته التي امتلأت بالأحذية الملونة: "عندما كنت أعمل مع والدي كنت أحصل في اليوم من 90 إلى 100 شيقل، ولكن الآن أنا وشقيقي من وراء البيع في الأسواق لم نجني يومياً50 شيقلاً، ولا تكفى لسد رمق الأسرة".

ويتنقل "حاتم" وشقيقه "حسن" بين الأسواق الأسبوعية في مختلف محافظات قطاع غزة، فتارة يتوجه إلى محافظة الوسطى، وتارة إلى محافظات جنوب قطاع غزة، وتارة أخرى إلى محافظات الشمال، وكل هذا في سبيل تحصيل المال.

وتشتكى أسرة "حاتم" من إهمال الجهات المسئولة للطبقة الفقيرة في قطاع غزة، إذ أشار
إلى أن أسرته لم تحصل على أي معونات من جهة سوى برنامج "chf" الذي يقدم معونات في بعض الأحيان.

أما الحاجة "حليمة" (65 عاما) فلم تختلف قصتها كثيراً عن "حاتم" فهي تتنقل بين الأسواق كل يوم في سبيل جني لقمة العيش لأولادها الثمانية من خلال بيعها بعض الأدوات المنزلية.


حصار الاحتلال الإسرائيلي أنهك المواطنين في قطاع غزة وسلبهم كل ما يحتاجونه للعيش في رغد من الحياة، مما حذا بفقراء القطاع إلى امتهان الأعمال الشاقة والتجول في أسواق "الرابش" لتوفير قوت يومهم.
وتقول "حليمة" لـ" صحيفة فلسطين" التي التقتها في سوق اليرموك وسط مدينة غزة:" أحاول من خلال هذه المهنة أن أعيل الأسرة التي تتكون من 7 شبان بعضهم متزوج ولديه أسرة ولا يعملون منذ سنوات".

وتضيف بصوت هيمن عليه ألم الإرهاق والغضب: "كانوا أبنائي السبعة يعملون وكنا مبسوطين، أما الآن فأصبح الوضع قاسيًا جدًا بالنسبة للأبناء، وأحاول أن أجلب المال لأساعد أبنائي الذين لديهم أسر، وأيضًا لأساعد ولدي الصغير في إكمال دراسته الجامعية".

وأجبرت الظروف المادية القاسية المئات من مواطني قطاع غزة على اللجوء إلى مثل هذه المهنة الشاقة بهدف توفير مصدر دخل بعد أن أُغلقت كافة أبواب العمل في وجوه الغزيين نتيجة الحصار.

وتؤكد تقارير حقوقية، أن نسبة الفقر في قطاع غزة وصلت إلى 80 % ، أما نسبة المواطنين الذين يعيشون على تلقي المساعدات المحلية والدولية قد بلغ 60%، في حين وصلت نسبة البطالة إلى 46%.

الاحتلال السبب الرئيس
ورأى مدير الهيئة المستقلة لحقوق المواطن صلاح عبد العاطي أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تتحمل المسئولية الأولى عن ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في غزة، لافتًا إلى أن سياسة الحصار أعاقت تطور الاقتصاد الفلسطيني.

وأوضح في تصريح لـ" صحيفة فلسطين" أن ظاهرة الانقسام السياسي كان لها دور كبير في تفاقم معاناة المواطنين في غزة، إذ أشار إلى أن الانقسام أضعف من قدرة المجتمع على التصدي لمشكلة الفقر والبطالة.

وقال:" لم يبق أمام الناس سوى العمل البسيط والتسول أحياناً أو انتظار المساعدات غير الكافية المقدمة من المؤسسات مثل الأونروا، وهذا الأمر يحتاج إلى سرعة إنهاء حالة الانقسام السياسي، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني".

وطالب بإقرار قانون للضمان الاجتماعي، وتنفيذ سياسات من قِبل الحكومة الفلسطينية من أجل حماية المواطنين وتعزيز صمودهم، مضيفًا: "بذلك نضمن تعظيم قدرة المجتمع على مواجهة سياسات ومخططات الاحتلال وجرائمها".


المصدر: فلسطين